شاعر واغنية صبوحة خطبها نصيب

شاعر واغنية
صبوحة خطبها نصيب
بين كلمات الشاعر فريد بركات والشاعر محمد قاسم شائف الكلدي


تربطنا علاقة وطيدة بالوالد محمد قاسم رحمه وكان لنا لقاء شبه يومي على مقربة من مقهى الحديقة
وكان يحدثنا كثيرا عن الشاعر سعيد يمين وايام سعيد يمين عندما وعرفت منه ومن غير بانه جيد العزف على آلة العود وقد فتح شبه معهد لتعيم وتدريب بعض الفنانين اهواة الفن في الخمسينيات من القرن الماضي وكان رواد المعهد الهواة من الفنانين واصبحوا فيما بعد كبار فناني حضرموت ومنهم من اشتهرت له كثير من الروائع الغنائية من امثال الفنان المعروف عمر غيثان وحداد مبارك وسالم محمد بن اسماعيل.
كما حدثني عندما ترك الغربة وعاد الى العاصمة عدن عمل عضو هيئية إدارية لجمعية النقل البحري ثم عاد الى دولة الكويت مرة أخرى في بداية الثمانينات من القرن الماضي وهنا تبدا حكاية صبوحة خطبها نصيب.
في البداية تعرف على الشاعر
من مواليد الديس الشرقية محافظة حضرموت في عام 1936م فقد والده في مرحلة مبكرة.
أخذ نصيبه من التعليم حتى جاد القراءة والكتابة.
ترك المدارس وسافر الى عدن للعمل في السفن الشراعية كبحري وتدرج في العمل الى ان صبح ميكانيكي بعد ان ادخلت المكائن على السفن الخشبية وقاد احيانا بعض السفن كناخوذة عند غياب الناخوذة وكان آخر عمل عمل به عمل أمين مال شركة خطوط اليمن البحري حتى تقاعدة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين
الف كتاب عن السفينة اسماه السفينة قبل المكينة تزوج مرتين وأب لعشرة أبناء (بين ذكور وإناث(
رحل عن دنيانا، في1/مارس من عام2018م اثر نوبة قلبية المت به اثناء اداء صلاة الفجر ثم نقل الى مستشفى الديس الشرقية حيث اعلنت بعد نقله إلى المستشفى.
فقد اعجبتني تلك الخاطرة التي كتبها الرئيس السابق علي ناصر محمد (ابوجمال) التي نقلها عنه الاديب والصحفي الكبير الاستاذ محمد عمر بحاح عند رحيل الاديب والشاعر الرقيق فريد بركات الذي وفاه الاجل يوم الاحد الرابع عشر من رمضان من عام 1440هجرية الموافق 19/5/2019م وهو اول من اول رائعة غنائية على لحن صبوحة خطبها نصيب وادتها فرقة الانشاد التابعة لوزارة الثقافة جمهورية اليمن الديمقراطية اي اليمن الجنوبي في عام 1980م وكم اتذكر تلك اللحظات عندما كنت طالبا، في المرحلة الثانوية اولى ثانوي زراعي بالحوطة عاصمة محافظة لحج وانا استمع لفرقة الانشاد عبر تلفزيون عدن بعد ان تحول البث من الاسود الابيض الى ملون في نفس العام وفي تلك الايام كان الفنان الكبير سعيد المعين أي بعد حوالي سنة من اداء فرقة الانشاد وبعد أن اخذت الاغنية مداها من الشهرة وكان شيخ الفنانين في رحلة فنية لدولة الكويت الشقيق وكم استمتعنا بالمقابلة التي اجرتها معه المذيعة المتالقة امل العبدالله على تلفزيون الكويت ونقلتها اشرطة الفيديو الى اماكن بعيدة وكان يصاحبه على آلة العود الفنان فرج سالم والكمنجة العازف عبدالله حسين الطفي والمزمار فرج الوعل وقد استطاع ان يدخل آلة المزمار، على تلك الاغنية الراقصة فاعطاها رونق زادها جمالا وسناء.
وكم اتذكر جملة بونعيم التي يكررها عند كل اغنية يشدو بها في المقابلة قائلا لعازف العود (دق يافرج. (
سجل في تلك الرحلة مجموعة من الروائع الغنائية لشركة رومكو الصوتية في البومين خرجت للجمهور نالت ما نالته من الشهرة وخصوصا صبوحة خطبها نصيب
كيف جاءت الكلمات ولكن ان نتكلم عن الكلمات ، نعرج على بعض ما جاء في الخاطرة كتبها اباجمال:
(مات شاعر.. صبوحة خطبها نصيب
مات المناضل والمفكر والأديب والشاعر فريد بركات الفريد في أدبه وشعره ونثره وأخلاقه ورقته ومواقفه المبدئية الصادقة.
حمل في قلبه قضية الوطن والمواطن والأدب والفن، عاش شريفاً ومات شريفاً بعد معاناة مع المرض وللأسف فإن قيادة الشرعية لم تبادر بعلاجه ومات وهو يطلب العلاج في أي مستشفى، كما مات قبله عبد الله صالح البار وعلي صالح عُباد (مقبل) وهما يطلبان العلاج في الخارج، وغيرهما الآلاف بعد أن أُغلقت معظم المطارات منذ خمس سنوات وتوقفت الرحلات في كل من صنعاء والمكلا وعواصم المحافظات باستثناء عدن التي يتم السفر منها بعد شق النفوس وموت البعض وهم في الطريق اليها أو في أثناء رحلات الطيران الى مصر والأردن.
أما آن لهذه المطارات أن تفتح وآن للمعاناة أن تنتهي وآن لهذه الحرب أن توقف...
مات الشاعر الرقيق والمثقف الكبير وهو يطلب العلاج كما شرح لي حالته في رسالته الأخيرة بتاريخ 14 مايو أي منذ خمسة أيام، عندما طلبت منه أن يكتب عن تجربته في وزارة الثقافة والحركة الثقافية في عدن منذ عام 1990م لتوثيقها والاستفادة منها في مذكراتي، وجاء رده:
أخي الحبيب أبا جمال. يسعدني، بل ويشرفني ان ألبي ما طلبتموه مني بخصوص الكتابة عن تجربتي في وزارة الثقافة والحركة الثقافية في عدن الى عام 1990م. إلا ان هذا الطلب الغالي الذي كنت أرجو القيام به خير قيام - ولا سيما أنه جاء من أخي الحبيب الغالي أبي جمال - جاء في وقتٍ عصيٍّ عصيب بالنسبةِ إلي، فأنا أعاني منذ قرابة الأسبوعين من أزمة صحية جديدة، تمثلت في تكرار ما حدث لي قبل 20 عاما من ذبحةٍ صدرية أو قلبية استدعت القيام بعملية قلبٍ مفتوح تكلّلت بالنجاح آنذاك ولله الحمد! وقد سببت لي، عودة هذه الأزمة القلبية، منذ حوالى أسبوعين ألما في الصدر وكظمة في التنفس لعدم وصول الأوكسيجين إلى القلب، مرتين في اليوم حتى الآن، إضافة إلى ما تسببه لي من إنهاك جسمي وإرهاق صحي عام لا يمكنني من القيام بأي شيء ذي فائدة فكرية أو مقدرة على التركيز الذهني على الأقل في حدِّه الادنى !. أعذرني أخي الحبيب أبا جمال، فليس بالإمكان أبدع مِمّا كان. (غالي والطلب رخيص) كما يقولون!. مع تمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح الدائمين في جميع مهامكم الوطنية النبيلة. وهنا تنتهي رسالته، وكأنه يودعنا جميعاً.
وقد حاولت أن أساعده في العلاج عبر معارفي الشخصية ولكن دون جدوى، فهؤلاء لا يسمعون صوت المرضى وأنينهم ومعاناتهم وإنما يسمعون صوت الرصاص والسلاح فهم مشغولون باقتسام السلطة والثروة في اليمن وخارجها وأيضاً بالحروب التي تحولت الى أكبر مصدر للثراء السريع، وقد أثرى تجار الموت والحروب من هذه الحرب كما أثرى تجار السلاح منها، والشعب هو وحده من يدفع الثمن.
مات الأديب والشاعر الذي غنى له بعض الفنانين الكبار كأحمد قاسم وفتحية الصغير (حمام الشوق) وغيرها، كما غنت له الجماهير أغانيه التراثية والعاطفية والوطنية ومن منا من لم يسمع بأغنية (صبوحة خطبها نصيب) واستطاع هذا الشاعر المبدع أن يستكمل القصيدة التي مطلعها:
صبوحة خطبها نصيب رغبانة وبوها غلب
وسرى الليل يالعاشقين
كنا على تواصل مستمر عن الماضي والحاضر والمستقبل وأتذكر أني تواصلت معه منذ فترة وأرسلت له تسجيل لأوركسترا ماليزية تعزف لحن أغنية (صبوحة) التي كتب كلماتها، فرد علي بعد أن استمع اليها:
توزيع أوركسترالي جميل يا أبا جمال - لفرقة الاوركسترا الماليزية - لما يسمى في الموسيقى "بالموسيقى الخالصة" التي لا يرتبط بها غناء فردي أو كورالي . ولكن - ورغم جمال التوزيع الفني الأوركسترالي الجميل - يظل للأغنية بتركيبتها الفنية الشعبية المحلية وأداء المغني الفرد والكورال المرتبط به، طعمه الفني الغنائي المحلي الشعبي الخاص، الذي لا تغطيه ولا تحل محله الموسيقى الأوركسترالية الخالصة بحال من الاحوال.
وأضاف: غنى عدد من المطربين من ضمنهم سعيد عبد المعين أغنية (صبوحة) بعد ان انتشرت وذاع صيتها بعد ان غنتها فرقة الانشاد التابعة لوزارة الثقافة والسياحة لأول مرة على خشبة المسرح الوطني في الثمانينات. وقد كانت الاغنية في الواقع بيتا تراثيا واحدا قديما، يُغَنّى في المدن الساحلية الجنوبية في سواحل أبين وشقرة ولحج وحضرموت، مجهول المؤلف، وهذه هي طبيعة الغناء والألحان التراثية القديمة جدا، أن تكون مؤلفة من بيت تراثي شعبي قديم واحد أو بيتين على أكثر تقدير. مثل البيت التراثي (الصعيدي) القديم الذي غناه عبدالحليم حافظ في أغنية " أنا كل ما قول التوبة يا بوي ترميني المقادير "، ثم قام الشاعر عبدالرحمن الابنودي بتوظيفه فنيا في الأغنية بعد ان أضاف إليه مذهبا وكوبليهين ولحّن الأغنية بليغ حمدي. وهذا ما حدث لي في أغنية (صبوحة) التي كانت مؤلفة في الاصل من بيت شعري شعبي واحد تراثي قديم وقفلة موسيقية لحنية هي (وسرى الليل يا العاشقين)، والبيت هو :
بدوية خطبها نصيب
رغبانة وبوها غلب / أو : ألب (بلهجة أبين(
وسرى الليل يا العاشقين
وأنا عند توظيف البيت الشعري الشعبي القديم فنياً بدلت كلمة (بدوية) في مطلع البيت بكلمة (صبوحة) لأعطيها معنى الصباح وما يرتبط به الصباح من قيم وطنية وفنية ومعانٍ خليطة من التعبير الفني والوطني والرومانسي فأصبحت لفظة صبوحة هي السائدة في الأغنية وانتشرت بهذا المعنى الجديد، بعد أن أضَفتُ إليها عشرين بيتاً من تأليفي من ضمنها :
صبوحة أبوها البليد
رابطها لأهل الرتب..
وسرى الليل يا العاشقين..
صبوحة تحب الصباح
ما ترضى بوزنه ذهب
صبوحة تحب النهار
تتنفس هواه الرطِب
الى آخر العشرين بيت الإضافية التي وضعتها أنا في القصيدة . وآخر بيت فيها هو :
صبوحة تصد الغريب
الغازي قليل الأدب .. وسرى الليل ... الخ )

كلمات الأغنية التي كتبها الراحل فريد بركات غناء فرقة الانشاد
صبوحة خطبها نصيب
رغبانة وابوها غلب
وسرى الليل يالعاشقين
****
صبوحة تحب الحبيب
ماترضى بوزن ذهب
وسرى الليل يالعاشقين
****
صبوحة أبوها عنيد
يبغاها لابن النصيب
وسرى الليل يالعاشقين
****
صبوحة تحب الحياة
ماتحب الحسب والنسب
وسرى الليل يالعاشقين
****
صبوحة تحب النهار
تستنشق هواه الرطب
وسرى الليل يالعاشقين
****
تتمنى تلاقي الحبيب
من بعد النكد والتعب
وسرى الليل يالعاشقين
****
ونرجع الآن للكمات التي غناها شيخ الفنانين يقول بوقاسم بان عبدالمعين عندما طلبت منه هذه الاغنية من قبل الجمهور في الكزيت كانت لا توجد معه الكلمات التي ادتها فرقة الانشاد وعند ذلك طلب مني بان اضع عليها ابيات اخرى، فتوفقت بهذه الابيات كما اكد لي العازف عبدالله حسين الطفي بان ابوياسر( محمد قاسم) كلامه صحيح وهي كالآتي
*وسرى الليل يا العاشقين*

صبوحة خطبها نصيب
رغبانه وبوها غلب
وسرى الليل يا العاشقين
****
صبوحة لحسنك علا
ما مثلك خلق في العرب
وسرى الليل يا العاشقين
****
صبوحة لماذا الجفاء
كل الزين كل الشذب
وسرى الليل يا العاشقين
****
صبوحة لي كلك حلا
انتي الروح انتي الطلب
وسرى الليل يا العاشقين
****
صبوحة ذا وقت الجنا
بانجني ثمار العنب
وسرى الليل يا العاشقين
****
صبوحة كفى ماجرى
وقت العود وقت الطرب
وسرى الليل يا العاشقين
****
في بستان فيه السلا
نتناسى الليالي التعب
وسرى الليل يا العاشقين
****
اما بالنسبة للحن فعند وصول عبدالمعين الى عدن بعد رحلته الفنية بدولة الكويت عملت معه سهرة سمر ومقابلة اجراها عبدالقادر خضر واكد بان اللحن افريقي وقد استغربت كثيرا لأن الالحان الافريقية حسب معرفتي من المقام الخماسي وهذا المقام بياتي فكان لي اتصال مع المايسترو نديم عمر المضي للاستفسار فاجاب بان ابونعيم على حق فاللحن كان يغنى في لحج وعدن على رقصة الليوة وهي رقصة افريقية منقولة مثل الباميلا بحضرموت وليس كما ذكر الرئيس علي ناصر بان اللحن من ابين اما البيت الاول فكان يغني في الليوة
بدوية خطبها نصيب
رغبانه وبوها غلب
ثم استبدلت كلمة بدوية بصبوحة
وقد نقل اللحن الى بن غودل الفنان اللحجي الكبير عبدالكريم توفيق الذي بدوره اسمعه فريد بركات الذي وضع عليه اول كلمات ثم غنت موسيقيا
اما بالنسبة للحن , قال المضي بان فناني تنزانيا تاثروا كثيرا بالالحان المصرية واليمنية ولذلك كان ذلك له تأثير في صناعة الالحان الغنائية وعكس ذلك مقامات الالحان التي الفت ولذلك جاءت الحانهم على الحجاز والبياتي والسيكا إلخ
وبذا يكون نشاته الحن افريقية واصولة بهذه الطريقة لحجية ثم تم تطويعه وتطويره موسيقيا بواسطة الموسيقار احمد بن غوذل وبذلك يحتسب تراثيا على الغناء اللحجي والعدني .
استبدل الفنان سعيد نصيب هذا اللحن بلحن من المقام الخامسي الافريقي وهذا يعتبر سلخ للاغنية من اصولها اللحجية والعدنية وإعدتها إلى الحضيرة الافريقية بطريقه أخرى وقد تبعته على هذا المنوال فرقة ميامي وقدمت اللحن بطريقة الفنان الكبير سعيد نصيب وليس تعليق على هذه المحاولة الجرية .

بقلم الدكتور عبدالباسط سعيد الغرابي
الاثنين 20/5/2019م