قبض الأستاذ عمر راتبه الزهيد ودسه في جيبه على استحياء و أنسل خارجاً من بين الجموع ، ،توقف على عتبة المصرف هنيهة يفكر في حيرة ويده اليمنى تتحسس الشعيرات القليلة المبعثرة على صلعته كشجيرات مبعثرة
في كبد الصحراء،ماذا سافعل بهذا الراتب واين عساه يصل امام ,طوفان الغلاء الفاحش المجنون؟ وماذا يفعل مع الديون المتراكمة هنا وهناك. والعيد هو الآخر على الابواب ومن اين يجلب ملابس العيد للاطفال ،وكذا كبش العيد ، وفواتير الكهرباء والماء ينتظرن من يسددهن، يحس بانه في في مأزق حقيقي ،نفث دخان سجارته وسار وقد بدت الدنيا له
اضيق من سم الخياط ،حدث نفسه أين أنت ياموت الا تأ تي وتخلصنا من هذه الحياة البغيضة ، لا احد مستريح الا الاغنياء والأموات ،تنهش الحيرة عقله ،صاحب البقالة يريد الدفع بالسعودي ، وكذا صاحب الشقة يريد الإيجار بالسعودي،يقول- من أين لي بالسعودي؟ لا احد يهمه أمره، الحكومة لاشأن لها به،حتى زوجته تصرخ به- لاشأن لي ! ياترى- من له شأن بي في هذا البلد! مشى يحمل على كتفيه رأساً مثقلاً بالهموم، ماذا يفعل بهذا الراتب الحقير الذي لايشبع ولايغني من جوع؟مضى يشق طريقه وسط زحام الأجساد، خيل إليه أنهم ليس أكثر من جيف متحركة يمشون مطاطؤ الرؤوس في ذل وخنوع،كم يمقت هذا النوع من البشر،يتساءل في قرارة نفسه: اتراهم أحياء ام اموات؟ ام هم أحياء كالأموات؟ إذاً لم لايثورون على اوضاعهم الباىئسة ؟!لماذا لايحركون ساكناً؟! كلا، لاشك أنهم أموات،اجتاحه غضب عارم،بصق على الأرض وهو يغمغم-تف عليكم أيها الجبناء،تباً لكم من شعب جبان،ظل يسير بلا هدف كشئ ضائع،كان يهذي مع نفسه، كان مظهره يستدر الشفقه،بينما هو غارق في لجة أفكاره اصطدم بأمرأة،صاحت بوجهة غاضبة:
هل أنت أعمى؟ ألا تنظر أمامك؟ يبتسم إبتسامة بلهاء دون أن يرد ببنت شفه،يسير مكب على وجهه كالسائمة لايدري إلى أين تقوده قدماه،يتمنى لويهرب عن هذا الكون إلى كوكب آخر لايوجد فيه حروب ولا وباء ولافقر،ولا جوع،يسير كئيباً بطئ الخطى حاملاً تعاسته بين جنبيه،سئم الحياة والناس،اصبح العيش لايطاق، سحقاً لها من حياة! اهذه هي الحياة التي نتقاتل لأجلها! سيترك سيارة تدهسه وينتهي كل شى في غمضة عين ، وقف في منتصف الرصيف ساهماً واجماً ذاهلاً عن نفسه كأنما هو في غيبوبة غير عابئ بحرارة الشمس الحارقة ولابأبواق السيارات التي تزعق عليه،احد السائقين يصرخ فيه:ابتعد يامجنون، وكأنما راقت له كلمة مجنون ،كان كمن وجد فيها ملاذاً، من يومهاأعلن
الأستاذ عمر عن انضمامة إلى قافلة المجانين رسمياً فاصبح يلقب بالمجنون.
،