الدكتور عبدالباسط الغرابي
Admin
المساهمات : 1182
تاريخ التسجيل : 06/01/2009
 | | موضوع: شاعر وقصيدة الشاعر حسين بن أبي بكر المحضار القصيدة ما زلت يا طير متعلي الثلاثاء نوفمبر 12, 2019 3:04 am | |
| شاعر وقصيدة
الشاعر حسين بن أبي بكر المحضار
القصيدة ما زلت يا طير متعلي
لا يحظى شاعر من شعراء العامية بحضرموت واليمن , بل الخليج و الجزيرة العربية ولن اكون حانثا لليمين إذا قلنا بل الوطن العربي من البحر إلى البحر ولم ينل من الشهرة ما ناله أي شاعر مثل شاعرنا الكبير حسين المحضار كشاعر غنائي غنت روائعه في جميع الاقطار العربية بل غناها البعض من الاجانب في اوربا وشرق آسيا فقد غناها المغربي غنت له اسماء المنور وجنان وغيرهن غنت له الجزئرية وردة وغنت المصرية انغام
وغنى له الفنان الكويتي عبدالله الرويشد ونبيل الشعيل والسورية اصالة واللبناني راغب علامة ومواطنته الفنانة ماجدة الرومي . غنى له العماني والإماراتي والقطري والبحريني والعراقي وغنى له في اليمن العدني والابيني والمهري والتعزي و غنى له اللحجي والصنعاني ناهيك عن الحضارم فالقائمة تطول جدا ودونت من اشعاره ستة دواوين طبعت اربعة قبل وفاته (دموع العشاق , ابتسامات العشاق , انين وحنين العشاق ) طبع له بعد وفاته ديوان بعنوان بكائيات المحضار , وداع العشاق , وشعر المحضار المسرحي وقدمت عنه العديد من الكتب والبحوث العلمية والدراسات والكتابات العلمية والادبية ولعل اشهرها واولها كتاب احمد عمر بن ثعلب (المحضار الشاعر والفنان) الذي صدر في بداية الثمانينات .
كما له المئات من المساجلات الشعرية على اللوان الدان الحضرمي المختلفة مثل دان الحفة والريض والغياضي وغيرها بالاضافة للمراسلات الشعرية المختلفة مع بعض شعراء عصره وقد جمع له الكاتب عبدالرحمن البحر مجموعة من الاشعار جمعت الوان الدان الحضرمي التي ساجل عليها العديد من كبار شعراء حضرموت .
المحضار شاعر جاء من ارض حضرموت التي تميزت في كل شيء العلم والادب والتاريخ والثروة والانسان .
شاعرنا من مواليد 1930م بمدينة الشحر تعلم ودرس بمدرسة مكارم الأخلاق بالشحر لمدة أربع سنوات اغترب في المملكة العربية السعودية ثم دولة الكويت .
في خمسينيات وفي ستبعينات القرن الماضي عمل موظف بإدارة الثقافة بمحافظة حضرموت , أنتخب عضو مجلس الشعب ثم عضو مجلس النواب في أول مجلس لدولة الوحدة قال الشعر منذ الطفولة و لم يتجاوز سنة ستة عشر سنة ساجل كم هائل من الشعراء في مختلف مدن وقرى حضرموت دخل مجال الشعر الغنائي عن طريق شيخ الفنانين سعيد عبدالمعين و كانت باكورة اغانية (يارسولي توجه بالسلامة،عنب في غصونه، رد قلبي في مكانه ) وجميعها من ألحان دان الحفة ,من ألحان الشاعرين عمر عوض العوش و الملحن المتميز عبدالله عمر سواد وكذلك سعيد حمود , سعيد عمر الغرابي.
استطاع المحضار بموهبته الفذة أن يجعل له مدرسة غنائية خاصة وطريقه متميزة في كتابة النص الغنائي ارتكزت على الموروث الشعبي الذي استوعبه المحضار كثيرا وخصوصا ألحان الحفة أو الهبيش .
استطاع المحضار من خلال روائعة أن يدخل جميع اغراض الشعر وان يكتب في كل مجالاته الواسعة واستطاع ان يستوعب الالوان الغنائية بما فيها من تميز كتب باللون الديسي من خلال الحان هذا اللون وارتكازه وتجلياته استطاع ان يدخل حتى إلى طرق التلحين التي تميز بها غيره استطاع ان يلحن ويكتب بأسلوب الشاعر عبدالقادر الكاف من خلال روائعة , ولكن نكة المحضار ونفسه لا زالت تنبعث من بين الجمل الموسيقية والمقاطع الشعرية ومنها (اناني صاحبي والله أناني , ياعين لا تدرفي الدمعة ) استطاع رحمه الله أن يمزج اسلوبه في اللحن مع سالم جبران واستطاع ان يوهمك بان هذه الرائعة من ابداع الثنائي الديسي المعلم حميدان وجبران ولكن عندما تدخل في اغوار اللحن والكلمات توصل إلى خلاصة بانها محضارية . وان حصل فيها جدل كثير هل هي محضارية أو ديسية مثل( خلع السقيفة , ما انا ببعدك سعيد , ما زلت ياطير متعلي ) .
أستطاع المحضار أن يدخل غمار اللون الصنعاني بايقاعاته ومقاماته من خلال رائعته (ياواسع الجود ) فقد أخذ من جميع اطياف الالوان الحضرمية أخذ من دان الريض ( على عينك , يادمعة العين , ياحول والشارة إلخ ) وطوع الحان الدان الغياضي أو النوحي في رائعته المحضارية (قال بومحضار قدني ) كتب على اللحان العدة (لا ياسعاد) وابدع على الحان الشبواني (يقول بومحضار انا ما شكيت من جور الغلا) واخذ من دان بيت عمر كما يسمى بالديس الشرقية أو بيت حسين كما يقال بقصيعر والريدة الشرقية .
إلا أنه يظل أبومحضار ابن مدائر ورقصة دان الهبيش يظل من مدرسة سواد وسعيد حمود ومعلاق وابن سبيتي وعلوي عبدالله وسيد سلوم وغيرهم كثيرا ومن نغمة مقمر.
فقد كان ثمرة هذه الشجرة المتاصلة من الماضي في التراث الحضرمي فهو اعطاها رونقها وشهرتها التي تستحقها و من خلال الحان الهبيش الروائع الجميلة التي لا زلنا نتغنى بها إلى يومنا هذا وكانها تقول ولاول مرة لا نحس بالملل .
لقد كان لحن عمر عوض والعوش يا رسولي توجه بالسلامة ظهور الفجر الصادق في سماء الاغنية الحضرمية.
المحضار طرق شعر الحوار والدرامة الشعرية التي نادر ما يكتب هذا الاسلوب إلا في الاشعار القديمة فاستطاع ان يحيي هذه الطريقة أو الاسلوب بنكهته المحضارية وكتب رمش عينه بريد المحبة وكذلك أقول له آيه وقد كتب عنها الاديب الراحل صلاح عبدالحافظ الحوثري رحمه الله بمجلة خلفة وكذلك اغنيته الشهيرة على مقام حسيني فقد اتت على نسق اللون الديسي الذي تميز به سعيد يمين وجبران بل استطاع أن يجعل ابناء وادي عمر ويجزموا انها من ابداع الثنائي حميدان وجبران وليس ابناء الديس بل الكثير من غير ابناء الديس الشرقية من يقول انها جاءت من وادي عمر ولكن ذلك غير صحيح فالمحضار استوعب هذا اللون وعاش بالديس وهو ليس بغريب عنها حتى ان يلحن بطريقة جبران أو سعيد يمين وان يعطي بعض المفردات التي يستخدمها حميدان والبايمين ولكن صبغتها المحضارية ناطقة ولا يمكن اغفالها أو طمسها .
من خلال هذه الرائعة جاء بطريقة الحوار والدرامة المسرحية وهو يروي لك المشهد بعد المشهد حتى تنتهي فصول المسرحية ويسدل الستار عند أخر مشهد يوضع في آخر بيت للقصيدة .
النص :
في السبعينيات اي في عام 1977م ان لم تخني الذاكرة في ذلك الوقت كان اعجابي شديد بفنان حضرموت الاول الفنان الراحل كرامة سعيد مرسال ولا اخفي اعجابي بالفنان محفوظ بن بريك وسهل بن أسحق وسعيد عبدالمعين وغيرهم .
إلا انني كنت حريصا على استمتع بأداء كل منهم على حده ولذلك تميزهم يختلف في بعض الاغاني فقد يؤدي أحدهم افضل من الآخر .وكرامة كان اداه في هذه الرائعة المحضارية لا يعلو عليه ولا اخفي انني اقتنيت هذا الشريط من احد الاستريوهات المنتشرة في المدن الكبيرة بالمحافظة ففي المكلا (جمعان , صوت وصورة شرمة بالشحر الالحان , النصر , عادل , لحن الخلود , سهل ثم سمعون ) بينما في سيئون المشهور تسجيلات أبوخليل وعندنا بالديس الشرقية مجموعة من الاسريوهات إلا أن اشهرها (أبوباسل) .
وربما اكون اخذته من استريو شرمة بالديس الشرقية لصاحبه عبدالله بامسعود مرسال يحمل هذا الشريط المعدني مجموعة من الاغاني وكانت آخرها في الترتيب( ما زلت ياطير متعلي ) من هنا كان اندماجي العاطفي مع هذا المولود المحضاري الجديد .
ولذلك ناخذ لمحه سريعة في مفردات النص الذي امامنا نلاحظ ومن البيت الاول وكأنه يسطر لنا رواية او سيناريو لفيلم سينمائي يستعرضه باول مشهد .
يبدا فيه المؤلف بمرور العاشق ببستان غرسه متنوع الاشجار وكأنه يقول أن مروره صدفة بل كان متعمد ووصف ذلك البستان بما فيه من كل جميل الماء والخضراء والوجه الحسن . ويعطي نحن صورة عن خصوصيات الصباح الباكر بما فيه من الروائح المختلفة النبعثة من الاشجار وازهارها العطرية وثمارها الخمرية ويعطي أمثلة لاشجار الفاكهة الموجودة بالحيط أو البستان المحكم بالسور الذي يمنع ولوجه إلا بترخيص من مالكه وكما جاء في تسليمة البيت الاول لي في اشجار العنب والتوت طبعا العنب والتوت اشجار فاكهة طيبة في شكلها وطعمها . حين قال :
مريت بالصبح بالبكره**** في حيط معمور بالخضره
وبكل منظر حسن
وبقيت بستنشق الخمره ..لي في اشجار العنب والتوت
مازلت ياطير متعلي ما تعرف الساحل القبلي من حيث يتحصل الياقوت
ليسدل الستار عن المشهد الاول لينتقل إلى المشهد الثاني من الرواية
جانا بذا طير عاشجره*** لا هو حمامه ولا دره
مابين سلوى و من
وهنا تبدا اول خطوات الدرامة أي كاننا في رواية من روايات الف ليلة وليلة فيعطي لنا الشاعر الوضع الذي فيه عندما طلع عليه أو مر من امام عينيه طائر واقف على أحد الاشجار العالية وهذه كناية عن الحبيب ووصفه بالطير لا هو بالحمامة ولا بالذرة ينفي انه من طيور الارض إلا من اين يا ابا محضار (ما بين سلوى ومن )وهذان الاسمان جاء في الذكر الحكيم ( وانزلنا عليهم المن والسلوى) والسلوى كما فسر المفسرون بانها طائر من الجنة نزل على بني اسرائيل والمن يقال بأنها نوع من الحلوى أو العسل السماوي نزل على بني إسرايل أيضا .
ولكن في عند العامة من اهل حضرموت بان السلوى والمن طائران من الجنة وقد جاء في كثير من الاشعار هذين اللفظين حين قال المحضار ايضا :
ذاك الزمن حبيت من حبك واهديتك بالسلوى ومن
حالة العاشق محينه لو صبر صبر أيوب .
لي ينتقل في آخر البيت الغنائي أو المشهد الدرامي
وجه بعينين لي حمرة
اسرع من الميزر النبوت
بمعنى انه استنكر وجوده في هذا المكان المحرم على أحد دخوله ولكن هذه النظرة الشرسة اصابته بسرع وشبه سرعتها بانها أسرع من البندقية أوالميزر النبوت كانت في عهد سابق من افضل الاسلحة الشخصية عند قبائل حضرموت.
ليقفل البيت بالتخميسة التي جاءت اهميتها لتستكمل البيت الثاني من خلال التعجب والاغراء
مازلت ياطير متعلي ! ما تعر الساحل القبلي من حيث يتحصل الياقوت! .
وفي المشهد الثالث من الحوار بين الشاعر العاشق الولهان والمحبوب الذي رمز إليه بالطائر .
فقلت فعل ماضي يخبر فيه عن نفسه
فقلت يا طير شي بصره شيء طرئقة أو حيلة .. لي باتنزلك لي مره
قلبي للقياك حن .
نقف عند قلبي للقياك حن والحنين لشيء او للمحب لا يكون من أول لقاء وهذا يدل انهم يتعارفوا وليست لاول حيث لا يكون حناك حنين للحبيب إلا بالمعرفة السابقة .
فيأتي الرد من على الشجرة :
قال ماتنزل الزهره .. و الجوهره لي ببطن الحوت
صدمه للعاشق ويبعده عن الخيال والرومانسية التي يعيش فيها أي اللقاء والوصل ويعطيه ضرب من ضروب المستحيل ان تنال اللقاء حين جاء الرد على لسان الطائر
(ما تنزل كوكب الزهرة أو الجوهرة التي في بطن الحوت)
وهنا يقول المثل حضرمي وين بتحصله إذا هو في بطن الحوت
واثناء الحوار الساخن بينه وبين الطار .ينقلنا الشاعر المتعطش للقاء
فقلت بتجيبك القدرة سوف يأتي بك قدرك غصب عنك في ظلمات الليل ه عندها سوف تاتيني ومرغوم على هذا اللقاءنا حين قال :
فقلت باتجيبك القدره *** ياطير لا دخلت الغدره
عالناس و الليل جن
سوف نصل لمرادي وقصدي بدون ان تشعر من غير قوة كما جاء في النص
باجيك من حيث لا تدرى*** من غير قارح و لا باروت
القارح والبارود أو الباروت بالهجة الحضرمية كناية عن القوة والسطوة ويقفل البيت بتخميسته الطويلة أوكما قال المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف الشلة
مازلت ياطير متعلي ما تعرف الساحل القبلي من حيث يتحصل الياقوت
هنا يأتي الرد الحاسم عن البعد اذي بينيهما واستحالة اللقاء كما انت فين ونحن فين وهذه الصورة تشبه كثيرا من المشهد الذي اتى في حكايات الف ليلة وليلة في( قصة الحسن البصري )وهو يخاطب الاميرة منار بنت ملك الجان عندما اخذت اولادها بين جناحيها وهي تخاطب أم زوجها الحسن البصري قالة :
( إذا هزه الشوق والاشواق فليجيني إلى جزائر واق واق )
وقد استخدم هذه الالفاظ الشاعر عوض حميدان
بعدك لو نأيتوا لا جزر واق واق
هذا ما قاله طير المحضار :
قال انا عامد الغبراءا *** في حيد أرهف من الشعره
مسنون من غير سن
لي ما معه في الطرق خبره .من فوقها يرتمي و يموت
مازلت ياطير متعلي ما تعرف الساحل القبلي من حيث يتحصل الياقوت
وبرغم صعوبة الموقف وحساسيته وقد اعطى صورة عن بعد المكان وخطورته وصعوبة الوصول إليه .
إلى ان نصل في الحوار الساخن بين الشاعر من ارضية البستان والطير المتعلي فينقل الحوار إلى ثقته بنفسه وخبرته الكبيرة وقدرته الفائقة في تجاوز الطرقات مهما كانت وعورتها وخطورتها قائلا :
وقلت انا عارف المسرى **** وعبر طرق موحشة قفرة
للوحش فيها سكن
ونلف وعصر بها العصرة
لو عرضها شبر وإلا فوت
نلاحظ دقة الشاعر في اختيار الالفاظ التي تناسب الحوار وبهذا الرد المتقن يضع محاوره في زاوية ضيقه .
ولكن الشاعر الولهان يناجي روحه بعد أن طارت الطيور من على اشجار العنب والتوت ومن بينها طائرة الذي يشابه طيور الجنة والحسرة تملئ قلبه والشعور بالخيبة من هذا الحوار الذي لم يجني منه غير الالم ونار الحنين والاشتياق.
وقد قربت الرواية أو الفيلم السينمائي من نهايته وهو يقول :
لازم في الراس بو مرة .. باحط في بطنها عشره
من صنعه الانقلن .
ابومرة اسم من اسماء الشيطان لازم فعل شرط أيفقدت السيطرة على نفسي بسبب الحب الشديد ما يهمنا إذا أخذت بندقيتي ووضعت في مخزنها الذخيرة الانجليزية الصنع باخذك بقوة السلاح ولكن تذكر العاشق بأنه أخذ عهد على نفسه , حين قال في سياق النص :
باجيك من حيث لا تدرى من غير قارح ولا باروت
هنا قمة الروعة في التاليف المسرحي حين ينهي الرواية بهذه الحكمة التي جاءت في آخر البيت
لكن نفسي ابت حره ***القوت بالغصب ما هو قوت
او كما يقال الرضا سيد الاحكام
لتنتهي الحكاية أوالرواية عند نقطة اللقاء كما يفعل الكثير من المخرجون بان يكرر المشهد الذي بدأبه الفلم لينتهي بهذه التخميسة التي شملت كل معاني القصيدة وكانها ملخص للرواية .
مازلت ياطير متعلي ما تعرف الساحل القبلي من حيث يتحصل الياقوت
الدكتور عبدالباسط سعيد الغرابي
الاثنين 12/11/2019م
| |
|
