شاعر وقصيدة
الشاعر سالم عمرو الغرابي
القصيدة (في جبح يا أهل الدباسة لكن دبسه صعيب)
النوب ما يعمد إلا في حيد ما هو سهل النوب قد له مجاني يرغب عليها يحل
ومن بغا النوب يطلع النوب ما هو قريب
*****
ما انا تركت الدباسة قلبي تقنع ومل كل من قصد له براسه يا ناس ما جاب حل
عالحيد فوقه حراسة والقامزي ما يغيب
*****
الكل فيهم حماسة يبغي قراص العسل لكنه النوب راسه شامخ ولا يقتبل
ولا يريد القساسة واقف وقوفه صليب
*****
النوب يبغا دراسة ما هو عسل يا هبل اسأل صحاب الدباسة لي ما رسون العسل
لي يعرفوا النوب ناسه ما هو روابة حليب
*****
عامد محل الشعاصة ما هو بسفح الجبل في سهب عامد قراصة وعليه حراسة دبل
وانتم تريدوا خلاصه من ارض خضراء خصيب
*****
نحن أمام رائعة غنائية هي باكورة انتاج الشاعر المعروف سالم عمر الغرابي وقد كانت بداية موفقة وقوية لفتت انظار محبي الطرب في ذلك الوقت وهذه الاغنية سجع بها بلبل سعاد الفنان المخضرم محفوظ محمد بن بريك في عام 1979م وقد أشرنا في موضوع سابق عندما تكلمنا عن أغنية( العز لي عزيت) فقد كانت ضمن البوم الذي طبعت عليه هذه الاغنية بل كانت أول اغنية في شريط الكاسيت الذي خرج مختوما باسم استديو الالحان بالشحر أو باكوندا لصاحبه عازف الكمان المعروف سعيد بافطحان .
الاغنية جاءت ملحنه من مقام راحة الاروح المقام الحساس الذي يلامس شغاف القلب من اسمه ونغماته التي تهز مشاعر كل المستمع لنغمات المقام وهو من مقامات السيكا المرتكز على السي .
لحن الأغنية لحن جبراني للملحن الكبير سالم سعيد جبران وهو عمل مشترك مع العكر أو لابوعمرو وأول تجربة له وكانت ناجحة جعلته يشكل ثنائي مع الفنان الكبير محفوظ بن بريك قدم لنا من خلالها العديد من الروائع المشتركة منها ( ما قسى الحبائب والزمان , عجلة الوقت دارت , قل للعساني , ياحبيب القلب , وادي عمر كنز الهنا والمسرة ) وغيرها الكثير والكثير إلى توقف هذا الثناي عند آخر عمل مشترك في عام 1997م برائعتهما (با قول خيرة في العشقة) .
وقد جاءت كلمات في جبح يا أهل الدباسة بمفردات مشوقة عن النحل وتربيته وجني أقراص العسل وان كان في الاساس الشاعر استخدم هذه الالفاظ كرمز عن العشق وغرامه .
ولكن قبل أن نستعرض أبيات القصيدة ناخذ نبذة مختصرة عن حياة شاعرنا :
سالم عمرو الغرابي من مواليد مديرية الديس الشرقية في عام 1962م لم يتحصل على حصته من التعليم في المدارس النظامية أومواصلة تعليمه إلا أنه عوض ذلك بتعلمه القرآن الكريم بالكتاتيب بمعلامة الشيخ مبروك سعيد شماخ الذي جعل من بيته ومزرعته معلامة لتعليم أبناء البادية القراءة والكتابة وكان لي شرف بأني تردد على تعليمها في بعض الأحيان مع أبناء عمومتي .
ثم اللتحق بمدارس المحو الأمية .
عمل شاعرنا في كثير من الاعمال منذ عنومة اظافرة , الحياة علمته الكثير من الدروس وصقلته التجارب عمل في البحر عمل بالتجارة بسوق مدينة الديس الشرقية وكذلك عمل في تجارة الاغنام والسيارات وافتتح مطعم لبيع الحم المحموص والمندي .
سافر إلى دولة الامارات العربية المتحدة في عهد حاكمها العادل الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه إلا أنه لم ترق له الغربة فهو مرتبط كثيرا بأرض حضرموت مشقاصها ومعرابها .
متزوج وله من الأبناء 12 نصفهم ذكور( بحسب مقابلة اجراها معه ابوسلطان الغتنيني)
ومحل إقامتي الحالية منطقة الحافة مديرية الريدة وقصيعر شرق حضرموت.
بدايته مع الشعر :
عرفه الجمهور من خلال القصيدة التي نحن بصددها وقد كانت له بداياته ومحاولاته مثله مثل أي مبدع في اول الطريق وبحسب معرفتي وصلة القرابة التي جمعتنا به .
في فترة السبعينات من القرن المنصرم بدأ يكتب قصائده الغنائية ويدونها بنوتته الخاصة طبعا تلك الفترة كانت العصر الذهبي للأغنية الحضرمية بشكل عام واللون الديسي بصورة خاصة وشعر المساجلات بالديس الشرقية كان له حضور كبير من خلال الشروحات أو جلسات الدان فقد كانت الديس مركز مساجلات دان الحفة فقد كان هناك سبيت بازهر وسعيد طيوروشقيقه عوض وسعيد باجعالة وعبدالله محسن الوحيري ومحمد عبدالله الحداد وعبود ريحان وسعيد سالمين الوعل هذا في جانب شعر المساجلات اما الشعر الغنائي حدث ولا حرج كان حضوره قوي بالديس الشرقية فقد تميزت الديس بلونها الديسي فهو بدأ تأسيسه في عهد الشاعر والملحن والفنان الراحل سعيد يمين عبدالله رحمه الله ثم تظهر ملامحة وتميزه في عهد الثنائي الرائع سالم سعيد جبران المعلم عوض حميدان وكذلك الشاعر والملحن سالم محمد مفلح(ابوراشد) بالاضافة إلى محمد عبدالله الحداد والملحن وأحمد محفوظ الحداد وتواجد الشاعر محفوظ النشادي وغيرهم الكثير ومن الاصوات المتميزه محفوظ مبارك باغويطة (البعوض) والفنان سعيد نصيب وحاج سالمين معيتب وحاج باضريس ثم عوض باوزير وعبدالله حمزة باعباد وغيرهم الكثير وفي ذلك الخضم مطلوب من العكر يتميز وان يرسم لنفسه خط يستطيع يعدي هذه الاهوال فالمناسفة قوية والضعيف ليس له مكان من اولائك ولاقى ما لاقى من منافسه .
رغم هذا وذاك فكان مساجلا متميزا وشاعر غنائي جعلت بن بريك يقدمه كصوت شعري جديد وقد تعاونه أولا مع الملحن الفذ سالم سعيد جبران ثم عازف الناي التميز حسن سواد وكذلك الفنان محفوظ بن بريك .
ومع الزمن اكتسب له خبرة بالاستفادة من الحان دان الحفة مثل ياحبيب القلب وهو لحن معروف للشاعر والملحن عمر العوش والتي يقول عليه أحد الشعراء :
نا دريت البر فيها وتعبت يدي
كن طير العول ما خلا لي سبولة
ما زحى لي صرع فيها يكفي صرومي
والقصب في الارض ما بيكفي الحيوان
وكذلك له محاولة مع الحان سواد من خلا راعيته كل العساني حيث يقول شاعر
قل للعساني فقد طوع من دان حفة للملحن عبدالله عمر سواد إلى رائعة غنائية يتغنى إلى يومنا هذا يقول فيها :
قل للعساني
عادك مطول في الريدة
وإلا سكنت العيق لاباس
ما حب يترك كلام الناس
انا بالنسبة لباكورته كما أسلفنا جاء اللحن مناسبا مع كلمات فاطلى عليها حلاوة جعلت المستمع لا يمل تكرارها .
وقد ستهل الشاعر بوصف لبيئة النحل أو النوب طبعا النحل البري حين قال :
النوب ما يعمد إلا في حيد ما هو سهل النوب قد له مجاني يرغب عليها يحل
ومن بغا النوب يطلع النوب ما هو قريب
وقد جاء هذا الوصف مقتبسا من الآية الكريم من سورة نحل ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)
ثم ينتقل في وصف الصعوبة التي يلاقيها العاشق في دروب العشق وجباله حتى يصل للمحبوب الذي رمز له بالنوب أو النحل .
ثم ينتقل ببراعة ويتحدث عن ذاته التي ملت هذه الحياة حياة العناء والتعب ويتكلم بصوت الخبير الناصح :
ما انا تركت الدباسة قلبي تقنع ومل كل من قصد له براسه يا ناس ما جاب حل
عالحيد فوقه حراسة والقامزي ما يغيب
هنا في البيت الثالث ينتقل للمتحمسين والمبتدئين في هذه الطريق الصعب المحفوف بالمخاطر وصراعهم مع هذه البيئة القاسية ووصولهم للنوب أو للحبيب :
الكل فيهم حماسة يبغي قراص العسل لكنه النوب راسه شامخ ولا يقتبل
ولا يريد القساسة واقف وقوفه صليب
إلى ان يصل الى البيت ما قبل الاخير النوب أو النحل يبغي علم ودراسة ليس الذي في بالك ولا بتنيل منه دون دراسة ومغازلة وقبل هذا وذاك أطلع على تجارب الآخرين وكيف تعاملوا مع النوب وبيئته فهذا المجال له ناس كما الحداد للنوب ناسة في بيت من قصيدة على دان الهبيش أو كما يقول المثل المشقاصي ما هو شرب روبة (الحقين )
النوب يبغى دراسة ما هو عسل يا هبل اسأل صحاب الدباسة لي ما رسون العسل
لي يعرفوا النوب ناسه ما هو روابة حليب
ثم ينهي رائعته بنفس الاسلوب ا1ذي بدا به أي البيئة وصعوبتها وهو في الاساس كاشف نواياكم الذي لا يمكن ان تتم إلا البدراية التامة ببيئه وكيفية التعامل معه وبحسب خبرة كل نحال حين قال:
عامد محل الشعاصة ما هو بسفح الجبل في سهب عامد قراصة وعليه حراسة دبل
وانتم تريدوا خلاصه من ارض خضراء خصيب
*****
بقلم : الدكتور عبدالباسط سعيد الغرابي
الاحد 20/10/2019م
